العائد

الجزء الثاني من الملل

لم يكن يدري على ما أظن أني لم أكن أقصد السلطان محمد الظاهر، فلم يكن خبر وفاته إنتشر بعد حيث ابحرنا. كان هذا قبل أيام قلائل من وصولنا إلى ميناء الزرقاء في عاصمة السلطنة الألفية. ودعت البحارة على عجل وحزمت حقائبي وكتبي وأخذت أول مركبة متجهة ناحية القصر السلطاني. لم أنزل بالقصر ذاته وانما تركت حاجياتي ببيت لي على مقربةٍ من القصر وسرت راجلاً دون أنا أغير ملابسي أو اغسل عني أثار السفر حتى وقفت أمام بوابةٍ صغيرة بالجانب الخلفي من القصر، لم يلبث حارس البوابة أن رأني حتى فتح فاه أثر الدهشة. أمهلته إلى أن انقضت دهشته ثم فتح لي الباب مسرعاً كأنه أفاق من حلم مررت به مسرعاً ورباط على كتفه ولكنه لم ينطق بكلمة واحدة.
مررت من عدة ممرات شجرية حتى وصلت إلى الباب الخارجي لمطبخ القصر. دخلت ومررت بالمطبخ المزدحم بالناس والروائح دون أن يعيرني أحداً أي انتباه. قلما ينتبه الناس إلى دخيل إلا إذا كان يمشي كدخيل، أما أنا فقد كنت أمشي في المطبخ كأحد عماله كما كنت أمشي في الحديقة كى أحد أهم الضيوف. أظن بعضهم كان ليتعرف وجهي إن حاول.

وصلت إلى القاعة المركزية بالمستوى الأرضي ووجدتها خالية على غير العادة. سلكت أحد الدهاليز ومنه إلى دهليز فرعي أخر وطرقت خمس طرقات في توال سريع. فتح لي شيخ قصير إختبأ نصف وجهه خلف لحية بيضاء. وقفت مبتسماً كالابله لا أعرف ماذا أقول. "هأنذا قد جئت" قلت أخيراً بعد فترة صمت لا بأس بها. أخذ الشيخ شهيقا وزفره ثم تحركت يده في لمح البصر لتلطمني على وجهي لطمة لم اتوقعها و لم اتوقع قوتها.

"سحقاً لك، أين كنت كل هذه السنين؟ فيم غيابك وفيم رجوعك؟"